خالتي فاطمة
.. ..
لا أدري كيف عشنا فراشات بين حضن التراب البني وبين خصلات الشمس الممشوقة النسيم على أطراف لبست حلل المواسم فأترفت بنا زقزقزقات عصافير كانت على وصال ساكن الأعراس ، ولا أدري كيف كانت خالتي فاطمة تسكن قصر قلوبنا ، تحرسها جنات الحمام في ذالك المبتغى من شغفنا الطفولي المحموم ، وهي المرأة التي ملكت عرش القلوب تطهي طبق البركوكس الأقرب والمشتق من الكسكسي مرة كل أسبوع ، وعلى إثر ميقات ثابت الفرح نتحلق على تلك الصحون الطينية المبتهجة ، نتباهى بتلك الملاعق البدائية بين ظلال شجر التين في طقس يتجذر في دفئنا جذوات انبثاق ، فكانت خالتي فاطمة على سجية الرياحين تصاحب حركاتنا بنظراتها الفضولية ، تفحص ملامحنا العفوية ، تتمعن في سحر الضحكات وفي غور الابتسامات ، ونحن على مرح يتقطر من جنبات الحقول ، يفضي للقرميد الإفرنجي هيامنا بأعشاش طيور تلاحقنا بدون وجل أو تريث ، تنمو تلك الحركة الطفولية من خلال قمر كنا نستلهم من خصبه لعبة الغميضة على وثير طين يغازلنا لهفات في الحبور ، ونحن بنين وبنات كنا نعشوشب على فطريات لذيذه اللون فنغنمها يانعة طازجة لتطهى على جمر متكتم الرماد ، في ذالك الضحى الذي طرز أبجديات الحلم بيننا وبين خالتي فاطمة سكنتنا دهشات النحل على جوار عسل يسري منابت الحياة ، فلم يكن الزمن سوى مجالا من شرانق فرح نتمرغ على رحاب حرية عشعشت في وهجنا كسنابل تهذي بغناءها المقمر ،
ماتت خالتي فاطمة من زمان قتقطعت سبل . البركوكس على شوك صبار متوحش ، اغترب الحمام فصوله بين لواعج الأيام ، فتصبب العرق من قلب اللوز ، تهاوت جذوع التين في غبارها تيار من شريط يبلع حبات العشق ، والذكرى ممزقة الأوراق في عاصف شتات هزم البراعم وانتصب الضباب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق