الخميس، 29 أكتوبر 2020

( نحيب الياسمين ) بقلم الكاتبة أمل / سوريا

""نحيب الياسمين""

أمضي في طريقي دونما اتجاه ... أهرب من كل الأماكن و الزوايا المتربصة .. أبحث عن ذاك  الزمان الذي لم يبرحني .. عبثا لا أجده .. ذاك الزمان الذي عشته بين أحضان عائلتي و تلك الياسمينة التي عربشت أغصانها على قلوبنا .. سكبتْ منذ نعومة وعينا عبقها في أوردتنا و لا زلنا إلى الآن نذرفها شوقا وحنينا ... 
يتصاعد الحزن إلى صدري رفقة الحرقة و الضياع بشرود امرأة تفككت مفاصلها من شدة التعب ... 
كيف تكسّرت أنا هكذا و كيف تفسخت أوصالي فاقدة بهجة الارتياح  ؟
تحاصرني الذكريات من كل جانب و تشدني إلى نار موجعة لا سبيل إلى الخلاص منها .. كيف السبيل إلى نفسي لأنقذها غيابك المفاجىء .. و كيف أنسى ؟
ضجّ الشوق في أعماقي و ها أنا وحيدة و خيول تدوس حوافرها الروح قبل الجسد و لا مفر .
يشّدني شوقي إلى مدائن النور لأرى ابتسامتك تزين كل مداخل العصور .. عصرا بعد عصر ... 
أراك رحيقا من الأزهار .. و سقفا من غابات النخيل تظللني و تعبق في شراييني و تزهر .. أراك كل التاريخ ... 
لاحركة في مدينتي .. لا أصوات و كأنها انتحرت أنشوطة في غفلة عن الموت .. 
هكذا جاء خبر رحيلك ... كالصاعقة زلزلت كل سكون في حياة .. 
كيف أخبر أمي بنبأ رحيلك .. كيف سيكون   
طعم الخبز و الشاي بدونك و عبير الصلاة .. 
كيف سأعيش بمفردي و أنت هناك دون أن أراك ثانية ... 
لم أعد أقوى تمييز الرغبات فكلها تجتاحني عاصفة و لا من أنادي في عصيب وقتي .. كنت ملجأي في كل حين .. لوهلة كنت ذاهبة إليك لأخبرك أنك رحلت و أنك أصبحت عصفورا يجسد الحرية و أن قفصك في صدري بات مهجورا .. نايا لرياح وجع حنين كل السنين .. 
كلي أنين و رغبات جامحة في البكاء بوطن لم يعد له متسع الوقت ليمسح عنا الدمع .. يتفنن في زرع السكاكين الموسومة في الأوصال دون رحمة و يمضي فينا هكذا و لا التفاتة ... وطن ضيع في عمق سعاره كل سبيل في وطن .. 
دوار شديد يلمني .. رأسي بين يدي و عيني مغمضتين .. لن أجزم كم ظل الحال و كم من الأزمة تجاوزت و كم من العوالم .
الصمت وحده السيد .. يكسر فيَ حدود المسافة و الوجع جبار بجبروته فيَ يكبر و يكبر .. وجع هو مزيج من البغتة و احتضان للألم في الفقدان .. شعور قاسٍ يختزل بشاعة الهزيمة .. إحساس رهيب ينبؤني أن العالم قد انتهى فأسمع طبول الرحيل تقرع من بعيد و لا مجال للهرب .. حملت ما تبقى من قلبي .. أداريه أشعة الشمس متجهة نحوى أمي ... 
الأخبار السيئة في وطننا صارت عنوان كرمنا .. يا لتفاهتنا .. تسبق سرعة الضوء ... 
كان الخبر بموتك قد وصلهم قبل أن أصل .. سمعت أنين أمي وزفرات الصبر صدر أبي ..
عانقتهم .. حاولت بما أوتيت من حنق أن ألملم أشلاء قلوبهما المكسورة و أنا المحطمة أشلاء .. جمعت دموع أمي في زجاجة خبأتها بعيدا كي لا يلمحها نضال فيتألم .. مسرعة ذهبت بها أرض الوطن حيث تلك الياسمينة التي جلست كثيرا تحت فيئها .. سكبت عليها مما جمعته الزجاجة .. سمعت أنينا ونحيبا .. كلي صار يبكي .. و كل ما يحيطني اعتكف البكاء ... 
يا إلهي ... 
لا مجال للتردد بوح الجهر .. التعب بدأ يمد حدوده إلى حنايا نفسي .. يتشعب في كل زاوية من زوايا روحي و كل ما أحمله بات ثقيلا و أنا أنوء تحت العبء و أرزح تحت ظلال من المشاعر المغلفة بالقهر ... 
ها قد بدأت علامات الانهيار تلوح من قريب

                                     بقلمي ..أمل ..عبق الياسمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق