الخميس، 26 مارس 2020

فتاة وخفافيش ليل قصة قصيرة للأديب المبدع وليد العايش سوريا

فتاة وخفافيش ليل 

لم يكن القطار قد حضر في ذاك التوقيت ، مازال هناك حوالي نصف ساعة على موعد قدومه المعتاد منتصف كل ليلة ، السماء ترتدي حجابا من الغيوم ، ربما تنذر بمطر آت بين لحظة وأخرى ، الخفافيش تلطم بقوة ، لم أدر السبب ، لكني أوجست خيفة من صوتها ، هكذا كنت وأنا أصغي لأغنية ( لسه فاكر ) لمطربة العشاق ( أم كلثوم ) ... 
مرت الدقائق سريعة ، فالقطار يصفر من بعيد معلنا بداية مشوار يوم جديد ، صوت الخفافيش يتوارى شيئا فشيئا ، قلت : ( كم هم أنذال خفافيش الليل ) ... 
كل تفكيري كان مصوبا نحو ساعة موعد قادم ظهيرة اليوم الوليد لتوه ، لعلي كنت متأكدا من حضورها هذه المرة ، فقد وجهت لها رسالة شديدة اللهجة ( حينها تذكرت كيف كان العرب يوجهون رسائلهم إلى الأمم المتحدة ) فضحكت كثيرا جدا ( ألست عرييا أيضا !!! ) ... 
انتهت الأغنية ، بينما تسلل النوم إلى عيني خلسة ، فتدثرت بغطاء سميك ، ثم تركت أحلامي تذهب حيث شاءت ، نسيت أن أخبركم بأني عدت إلى غرفتي قبل أن يبدأ المطر بالتهافت ، تركته وحيدا في غربة الليل ... 
لم يتأخر هذا الليل الجامح ك حصان عربي من الانحسار ، لقد تغلب عليه الفجر في جولة مبارزة صباحية ، ف خر مغشيا عليه . 
انقلبت عقارب الساعة ك تقلبي في سريري قبل ساعة أو أكثر ، أدركتني الشمس التي انتصرت هي أيضا فلامست جسدي الطري كما كانت تفعل أمي حين تفركه بالحمام ( طبعا عندما كنت صغيرا ) ... تناولت كأسا من الشاي الأحمر بعد أن قدمت أعذارا واهية لعدم تناول طعام الإفطار ، سمعت إخوتي يتحدثون عن مرض أو وباء كما اسماه أحدهم ، لم أعر أي اهتمام للحديث ، فبقيت خارج دائرة النقاش ... 
ساعة أخرى مضت وأنا أحاول تسلية نفسي بشيء ما ، الآن أصبح بإمكاني المغادرة . 
في الطريق راودتني أفكار متمردة ( سوف أقبلها ... لا فقط سأقبل يدها ... بل سأحضنها ... ) كنت بعد كل فكرة أضحك بشكل هستيري متقطع ، مررت بالراعي صاحب الناي ، وبقطيع الأغنام ، شاهدت الفلاح العجوز ينكش الأرض ، أيضا العصافير الفرحة بظهور الشمس ، لكن كل ذلك لم يستفز أي شيء فيا كما فعلوا من ذي قبل . 
قطعت الرابية المطلة على مكاننا المعهود ببطئ ، أعدت تصفيف شعري الذي داعبته الرياح أثناء المسير ، أخرجت علبة العطر ورششت على أنحاء جسدي ... 
هكذا أصبحت بكامل أناقتي ، ابتسمت ثم دنوت أكثر في نزلة الرابية . 
هناك كانت شجرة الجوز العجوز تنتظر قدومي ، بدا عليها الحزن وهي تستقبلني بذراعيها الطويلتين ، شعور ما يندفع إلى صدري ك قذيفة حطتها السماء دون اكتراث لما تحتها ، تحرك غصن من شجرة الجوز مشيرا إلى ورقة صغيرة كان على طرف الساقية الملاصقة لأمه الشجرة ، أمسكتها بخوف ، نعم كان الخوف كبيرا ( لقد أصابني الوباء يا حبيبي ... لن استطيع الحضور ... ادعو لي بالشفاء ) ... نظرت إلى الشجرة التي مالت برأسها صوبي ، لكني تركت كل شيء وانطلقت إلى البيت ( ضجة كبيرة كانت هناك ، معظم أفراد الأسرة والأصدقاء في بيتنا ) ... يا مرحبا ... قلت ودخلت ... 

وليد.ع.العايش 
٢٥ / ٣ / ٢٠٢٠

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق