الثلاثاء، 23 مارس 2021

( مأوى في مهب الريح ) بقلم الشاعر ابراهيم العمر

مأوى في مهب الريح
بقلم الشاعر إبراهيم العمر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنا لا أفهم كل تلك التأشيرات على صفحات جواز السفر . 
أنا لا أتمّكن من التقوقع في شرنقة الجنسية ،  
هذا المصطلح المادي الذي يصنّف أبناء البشر .    
وتتوّزع بموجبه كل معطيات الأرض ،  
وكل المناصب والكفاءات والصلاحيات ،    
لقد أصبح كل إنسان رهن بالرحم الذي يتمخّض فيه ، 
وكل بائس في الحياة ضحية البطن الذي حمله . 
بؤس الإنسان في عصر التمدن ليس من صنع يديه !  
البشرية اليوم تكرّس هذا التكرار الدائم ،  
وتتحاذق في رسم الشعائر والرايات ، 
وتزيد معالم الوضوح في الخطوط والإطارات ،    
وتغرس في النفوس الوهن والرضى والقناعات ، 
فالبائس يلد بائسا حتى يضمن للبؤس الاستمرارية ، 
ويضمن للجنسيات المحظوظة الاستبداد والرفاهية . 
الأسئلة عن مفاهيم السعادة لا تحمل نفس الإجابات . 
مفاهيم  المصنف بالجنسية السعيدة عن الحرمان والقهر ،   
قد لا تصل إليها أحلام البائس في ليلة يكتمل فيها القمر  .  
المتسلق من البائسين على جدران الحرية ،   
عليه أن يسعى إلى استبدال أوراقه الثبوتية .  
الجنسية أضحت بداية المشوار وبوابة العبور ،   
باقي الطرقات تقودك إلى دوامة وجهد مهدور .  
ليس هناك طرقات مختصرة وطرقات طويلة ،   
ليس هناك مكان للفلسفة والأخلاق والقيم .  
هناك درب واحد وجنسيات محدودة .  
يمكنك أن تسلك كل الطرقات، 
وتسعى في كافة الاتجاهات ؛  
سيضيع العمر منك وتواجه نهايات مسدودة . 
إذا لم تكن عبدا للرب ستصبح الدنيا معبودة .  
من يرضى بمبدأ البيع والمقايضة ،  
من الممكن أن يتخلى عن كل شيء ويختصر المشوار .  
إذا هانت الأخلاق على امرئ يسهل عليه الوصول ؛   
لكنه لن يستعيد أبدا بعدها ملكية القرار .  
إذا سمح لنفسه أن يتزحلق لمرة ، سيموت إحساسه ويتزحلق باستمرار . 
إذا مات الضمير ؛ كل المشاريع تلقى القبول .    
من يمثل للشيطان مرة يسهل عليه المثول . 
من لم تعمر قلبه مخافة الله يعيش العمر وحيدا ؛   
لن يجد له ملاذا في قلوب البشر .  
من لم تعمر روحه حرارة الإيمان ؛  يحمل حكما ورؤى كأحمال البعير . سيأكله الذنب ويخلد في السعير .  
من لا يرضى بقسمة الإله يستعبده دولار .  
من لا يسعده القليل لن يسعده القنطار . 
من يسلك درب الهاوية تظلم له باقي الدروب . 
من لم يعمل لغده يغادر الدنيا خالي الجيوب . 
من يمشي في الأوحال ويحيي في الظلام ؛ 
لن ينتهي به الترحال ويبقى أبدا في الأوهام . 
من لم يعشق جمال الروح لن تعكس مرآته الجمال . 
من لم يتلمّس الجمال بعقله لن يرى بعينيه الكمال . 
من لم يصنع سعادته بيديه لن يُسعَد بالإلهام . 
من لم يشعر بألم الغير لن تصقل روحه الآلام . 
يموت الجشع من التخمة وعينه على اللقمة في فم الفقير . 
لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب .  
قدم في القبر وقدم تسير .  
يد تحفر في  الثرى ويد تعدّ النقود .  
جسد يبني في الهواء وروح تغادر الوجود .  
مشاعر وأحاسيس تهاجر عن شواطئ الوجدان ،   
وتبحر في اليأس نحو الأمل غير المنظور ، 
وتعوم في الحس نحو العمق غير المحسوس .    
تنسلخ من جلدها وتبحث عن الدفء في جسد ممسوس ،  
تبحث عن مأوى في مهب الريح ،   
من غير أبواب ومن غير شبابيك . 
تبحث عن فك مفترس جائع بأنياب غير مرئية . 
تبحث عن السعادة ، تبحث عن الرفاهية  ؛  
في جسد من غير روح ومن دون جروح ومن دون هوية .  
تبحث عن قضايا خلف شمس منسيّة . 
تبحث عن فتاوى لمسائل غير فقهية ، 
تبحث عن معجبين ببرامج هزلية .
ــــــــــــــــــــــــــــ
إبراهيم العمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق