*** الإبن الغائب***
إنها الساعة الثالثة عصرا.. الموعد الذي تنتظره باستمرار بفارغ الصبر ، تركت كل ما يشغلها وتسمرت أمام النافذة المطلة على شارع الحي المقابل .. رن الجرس بقوة معلنا عن انتهاء الحصة المسائية للتلاميذ ففتح الحارس باب المدرسة على مصراعيه .. بانفتاح الباب اتسعت حدقة عينيها وكأنها أول مرة تشاهد هذا المشهد الروتيني .. تضاعفت دقات قلبها ، صارت تلهث وكأنها تصعد مرتفعا .. وفي لحظة غير مسبوقة بإنذار تدافعت جحافل التلاميذ مغادرين مقاعد الدراسة فاختلط الصراخ بالضحك والهتاف بالهمس.. أصخت السمع تريد معانقة كلماتهم البريئة .. فلم يبلغ مسمعها سوى الحديث عن الواجبات المدرسية و عن كلمات الشكر والثناء التي قالتها لهم المعلمة.. تحدثوا كذلك عن مواعيد الدراسة والعلاقات العاطفية البريئة التي تربطهم.. كانت تتابع سيرهم بعينيها الدامعتين فذلك دأبها منذ سنين.. تتمشى معهم بقلبها وتحرسهم بنظراتها الحانية إلى ان يعبروا الشارع .. فيهم من كانوا صحبة امهاتهم وفيهم من يعول على نفسه في العودة الى المنزل..... فجأة انتفت تلك الصورة من أمامها ورأت نفسها تسرع متلبكة لاصطحاب أطفالها من المدرسة وهي تفكر في الطبق الذي ستعده للعشاء والمنزل ينقصه النظام والتنظيف الذي يجب ان لا تتوانى فيه ... وقفت امام المدرسة فخرج اطفالها فرحين مستبشرين بقدوم امهم الذي اعتادوا عليه ، قبلوها ، وسارت بهم مسرعة نحو المنزل .. يجب عليها اطعامهم ، تغيير ثيابهم ، تدريسهم... احست بدوار شديد والم في رأسها ضف عليه صراخ الأطفال وبعثرتهم لما نظمته في الصباح... ضجيج المنزل لا يهدأ الا بنوم الأطفال... تبخر المشهد الذي كان امامها مع خروج اخر تلميذ من المدرسة فأغلق الحارس الباب وعاد الصمت الى الحي وإلى قلبها.. تنهدت ونهظت تنهي ما كانت تقوم به.. في تلك اللحظة رن هاتفها رنينا متواصلا.. أحست باحساس لم تعلم مصدره أهو الفرحة او اللهفة... جرت لترد على المكالمة : الو .. كيف حالك .. هل انت بخير.. ما احوال اقامتك .. هل انت مرتاح... : امي ما هذا الكم من الأسئلة ، اطمني انا في افضل حال ، الجو هنا منعش والظروف طيبة والعمل كما أريده هدئي من روعك فأنا لم أسافر البارحة ... سنوات وخوفك لم يتغير.... آسف عليا قطع المكالمة ، سأعيد الإتصال بك لاحقا.... : انتظر ، هل ........ ...... .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق