عبق القميص
.. .. .
في السفر البعيد أوشك الوداع أن يحرق الأنفاس المتدافعة ، حينا كان المساء مهرجان لحن يلم شتات التفاصيل المحمومة المسك وحينا آخر لم يتدارك الليل نجومه الصرعى وقطار داهم لا يحصي عتمات المواقف ، بينما بقي القميص صفحة ريح ناصعة البياض لا يلطخها دخان القارات ، ولا يتربص بها متجني على رقيق الهواء ، بقي القميص هكذا من صلب الليل مدلل الأغنيات يطير بين بساتين الضلوع ، يطفئ حرائق الجنون ، فقد نسجه زمن الربيع الماجن النسيم عندما كانت الألوان قرمزية الوجد بقي القميص مختمر في حلمات اللوز يغطي بياضه جبال الشوق فتحلم السحب الراعشة أن تنهل من حليبه الدافق على سكرات نعنعت أباريق الشعر فالتحم العشاق دفعة واحدة في بوتقة الأصيل والقميص مخير الحمام السابح كأن يستحيل عش حمامة بين جيبها وعسل الداء يشفي سقامات التنائي ، فتشرق الدنا كما عهدها موسم الشد على أطياب الذوبان ،
فبكم تعيش أيها القميص الذي ناهز قصيدة الريح فرقصت له سنديانة الذكرى المبللة ، وأنت المتلألئ العرق على حبات المهج تأتيك القوافل توشحها بتاج الليل المنهمر الشعور والحمامة المنعوتة الغدير تترنم بهاءها غواياتك اللذيذة هكذا كنت وسيكون طائر السرد من ألف سماء يقرضك شعر البحار فلا تتعب من عبق قميص أبيض تعرق من شدة الغناء لكي يكون لك العالم حمامة تحرس خيمة وصل طرب بها الشلال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق