الأربعاء، 24 فبراير 2021

( سارقون ) بقلم الشاعر عز الدين أبو صفية

قصة قصيرة  ...

سارقون  :::

كانت حياتهم يملؤها الهدوء والسكينة وكان عملهم منتظم وفق الروتين اليومي الذي توارثوه أباً عن جد في فلاحة أراضيهم  و زراعتها بكافة أنواع الخضار والفواكه، وكانوا يبيعون ما يفيض عن حاجتهم في أسواق المدن المجاورة . كانت أسرة الحاج محمد مكونة منه وزوجته وأبناؤه الخمس منهم ولدان في عمر العشرين والواحد وعشرين وثلاث بنات أعمارهن ثمانية عشر سنة وثلاث وعشرون والثالثة في الخامسة وعشرون من العمر،  كان أسمها  (  نفيسة ).
كان الحاج محمد يدير كافة شؤون الزراعة ويوزع مهام العمل في كافة الأراضي التي يمتلكها يوزعه على جميع الأبناء ؛ فكان ( خميس) يتولى َمتابعة حراثة الأرض وتهيئتها للزراعة حسب المواسم الزراعية المختلفة ، يشرف على ريها  وكان مخولاً باستئجار العمال من أهل القرية والقرى المجاورة لكي يساعدوه في كل ما تتطلبه الأرض الزراعية. من أعمال
وكان الإبن الثاني ( عامر) يتولى شؤون المحاصيل الزراعية ؛  يجمعها وقت حصادها  ويتولى بيعها بمساعدة بعض العمال اللذين يقوم أخاه خميس باستئجارهم ، و استئجار سائقين بسيارات النقل خاصتهم حيت يقومون بنقل المحاصيل المختلفة إلى أسواق القرى والمدن المجاورة لقرية الحاج محمد الذي كان ينتظر عودة الجميع إلى مجلسه في بيته  حيث يكون أنهى صلاة المغرب ويكون الجميع قد حضر فيجلسون أمامه ويجلس إبنه خميس إلى جانبه الأيمن وابنه عامر إلى جانبه الأيسر ، يتناول الجميع الشاي الذي تكون إحدى بناته قد أعدته في الركن المقابل لمجلس الحاج .
يبدأ الجميع بتناول الشاي وكل واحد يتحدث عن  عمله المكلف به من حصاد وزراعة  وبيع المنتجات الزراعية والمبالغ التي تحصلوا عليها ، يتبسم الحاج محمد وهو يثني عليهم جميعاً  ويتسلم تلك المبالغ التي يقوم بوضعها تحت الوسادة التي  يتكئ عليها  ، ثم يبدأ بالاستماع لكل من خميس وعامر عما يحتاجونه لأعمال يوم الغد،  ثم يقوم بتسليمهم المبالغ التي يحتاجونها لإنجاز أعمال الغد   ويبدأ بعد ذلك بتسليم الحقوق المالية للعمال و السائقين ولكل من شارك في العمل ويخصص مبلغاً محدداً يسلمه لابنه عامر ليوزعه بين فقراء القرية .
في الجانب الآخر كانت زوجة الحاج محمد ( دُرسن ) مع بناتها الثلاث يقمن بكافة الأعمال المنزلية مشتركات من طبخ وخبز ورعاية حظائر الدجاج والحمام و الأغنام و الأبقار،  وما يتطلبه ذلك من جمع البيض والحليب وصناعة الأجبان و الألبان وبيعها في سوق القرية ، وأن كل ما يتم تحصيله من نقود تتسلمه الأم التي تقوم بدورها  وتسلم المبالغ لزوجها بعد أن تكون قد اقتطعت ما تحتاجه لمصروفات المنزل وشراء ما يحتجنه بناتها .
كانت حياة الحاج محمد وأسرته عبارة عن نموذج يجسد حياة جميع القرى، يغمرها الهدوء والسكينة والمحبة والاكتفاء الذاتي ؛  ولكن بدأت أيادي الخبث والحقد تلعب وتخرب ذاك النظام الحياتي ، في القرية والقرى المجاورة  فتقوم مجموعات بشرية باقتلاع الزرع وحرق البيادر وسرقة ممتلكان الناس ، وبقصد يستهدفون أشجار الزيتون ويسرقون ثمارها ويقطعون الأشجار ويحرقونها ؛ وفي كل مرة يحاول أهالي القرى معرفة الفاعلين فتدور شكوكهم حول تلك المجموعات البشرية التي ليس لها أيّ صلة بالأرض  التي يهدفون من وراء أفعالهم و سرقاتهم هو إخافة السكان الأصليين حتى يهربوا ويسهل عليهم سرقة الأرض بالكامل  فلم يكفيهم السرقة بشكل جزئي.
أدرك الحاج محمد خطورة الأمر خاصة عندما كان يمتطي صهوة جواده ويقوم بجولة على كامل أرضه  عندما فوجئ بأن عشرات الدونومات من أطرافها قد سرقت وأقتُلع كل ما بها من أشجا وأحيطت بسياج كهربائي ليُمنع أيّ أحد من دخولها ،  صُدم الحاج محمد وأصابه الذهول وهو يضرب كفاً بكف وقرر عدم مغادرة الأرض ليعرف من السارقين .
وفي الليل لاحظ بأن أعداداً كبيرة من تلك المجموعات البشرية التي كانت تقوم باقتلاع شجر الزيتون وسرقة ممتلكات أهل القرية تتجمع داخل الجزء المسروق من أرضه ويثبتون غرفاً بلاستيكية ويكتبون عليها بلغة غير العربية .
عندها أدرك الحاج محمد بأن هؤلاء هم السارقون  وأنهم هم المستوطنون 

د. عز الدين حسين أبو صفية،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق